Saturday, September 13, 2014

متى يستقيم النقاش حول الإسلام الديمقراطي ؟

متى يستقيم النقاش حول الإسلام الديموقراطي؟

تركي الجاسر

الإنتاج الفكري الغربي في علم السياسة جهد هائل، والتجربة الأوربية فائقة الثراء، سواء في المبادئ أو في الآليات. هذه التجربة الثرية لم تنتج كومة من الأفكار المبعثرة، بل أنتجت تشكيلة ذهنية كاملة، وقالبا يناسب المحتوى الفكري والعملي لهذه التجربة (١).
ولأن الغرب مهيمن فكريا وإعلاميا وسياسيا لعدة قرون، فليس غريبا أن تكون هذه التشكيلة وذلك القالب هو الأساس للعالم كله، في تصور وفهم علم السياسة (٢). وانسجام هذا القالب مع محتواه وتطبيقه بثقة وواقعية، صنع تحديا أربك الكثير من المفكرين والعلماء المسلمين، ولم يفطنوا للعلاقة بين القالب والمحتوى، وتعاملوا مع علم السياسة وهم في غفلة جماعية، وتصور منطلق من نفس التشكيلة والقالب الغربي.
وكثير ممن تحدث في الفكر السياسي الإسلامي، سواء من يتبنى “الديموقراطية الإسلامية” أو من يعارضها، إنما انطلقوا في حديثهم على أساس فهم “الدولة” و”الوطن” و”الشرعية”، بناء على هذه التشكيلة. وظن معظمهم أنهم يحسنون صنعا حين يملأون هذا القالب، بما لديهم من محتوى إسلامي بطريقة معتسفة، تحشر فيها استنتاجات التراث الإسلامي حشرا بين جدران القالب. وظن آخرون أن الحل هو في رفض آليات الديموقراطية لكن دون الخروج من تصور مفهوم الدولة والوطن بناء على هذه التشكيلة.
هذه المنهجية في تناول الموروث السياسي الإسلامي، لا يمكن أن تنتج صورة متماسكة، فضلا عن أن تثبت تفوقه على النموذج الغربي الذي استعار منه القالب. فالحل إذاً ليس في أن تضع لحما وشحما إسلاميا على هياكل الديموقراطية في دولة وطنية قطرية بالمفهوم الحديث، ولا أن ترفض الديموقراطية وأنت داخل هذا المفهوم، بل الحل في الخروج من التشكيلة الذهنية والقالب الفكري الغربي، والعودة لتشكيلة منطلقة من ذات الموروث الإسلامي.
في هذا المقال، محاولة لبيان للفوارق الكبرى في تناول الطرح السياسي، بين الإسلام والفكر الديموقراطي، على صعيد مفاهيم الدولة والوطن والشرعية، وعلاقتها بالمبادئ والقيم.
مفهوم الدولة
في الفكر الديموقراطي
مفهوم الدولة في الفكر الديموقراطي، هو نفس مفهوم الدولة الحديث (المفهوم العلماني) المبني على منظومة إدارية تسيطر على كل شي داخل حدود قطر معين. بمعنى آخر، فإن الدولة هي كل السلطات الثلاث، والمجتمع ليس إلا كيانا بشريا يعيش داخل وعائها، وبهذا يكون المجتمع كله داخل الدولة، وليس الدولة داخل المجتمع (٣).
وسواء كان النظام دكتاتوريا أو ديموقراطيا، فالدولة تمارس حق التشريع والقضاء والتنفيذ، ولا يمكن أن يخرج عن سلطتها شيء من نشاط البشر، بما في ذلك الشؤون التربوية والخيرية والتعليمية التي تخضع بشكل مباشر أو غير مباشر للدولة.
هذا المفهوم للدولة، هو الذي تشكلت به كل دول العالم منذ عدة قرون، واستقر في الوجدان حتى أصبح هو التصور الوحيد للدولة، ولا يخطر في بال الكثير أن هناك مفهوما آخر لها. هذه النمطية لمفهوم الدولة ليست إشكالية عند من يسمى بالإسلاميين التنويريين فقط، بل هي كذلك إشكالية عند الغالبية العظمى من “السلفيين”. وكثير من الإسلاميين يناقش وينــافح عن المشــروع الإســلامي، وهو لا يـعلم أنـه يتحدث عن دولة بهذا الشكل المعارض للمفهوم الإسلامي للدولة (٤).
في النظام الإسلامي
مفهوم الدولة في الإسلام أصغر من ذلك بكثير، فالدولة ليس لها إلا سلطة الدفاع والأمن وتنظيم الخدمات فقط، وبعض الأمور التنفيذية الأخرى مثل جباية الزكاة الخ. أما التشريع، وتحديد الخطأ والصواب والواجب والممنوع،،فليس للدولة منه أي نصيب، وأي تدخل في شؤون التشريع، إنما هو إخـراج لهذه الدولة عن التـعريف الشـرعي لها. ونفس الكلام ينـدرج على النشـاطات الخيـريـة والتربـوية والتعليميـة، فهذه من شؤون المجتمع والدولة ليس لها إلا حق الإشراف (٥).
ولأن التشريع في الإسلام خاضع لتنزيل الكتاب والسنة على الوقائع، صار التشريع بالضرورة من مهام العلماء. والعلماء لا يمكن أن تتبين مصداقيتهم في المرجعية، إلا بمدى نجاحهم في الاختبار المجتمعي، ولذلك فإن التشريع في نهاية المطاف، هو نتاج هذا الارتباط المجتمعي بالعلماء وليس بالسلطة. ونزع التشـريع من الدولـة يلحقـه نزع سلطتها في القضاء، وحـره فقط في تعيين القضاة، وليس في إنشاء إجراءات قضائية، ولا قانون يلزم به القضاة (٦).
وبهذا المفهوم، فإن الدولة الإسلامية مهما بلغت من الاستبداد في التفرد بسلطة الحكم التنفيذي، لا تستطيع مصادرة حق التشريع، وإلا سقطت عنها صفة الإسلامية، وصارت دولة علمانية بالمعنى الحديث. وقد مرت الدولة الأموية والعباسية بفترات استبداد وقمع شديد، لكن لم يجرؤ الحكام على مصادرة حق التشريع من المجتمع، وإلغاء دور العلماء. ولعل هذا هو السر في أن العلماء كانوا دائما في صدام مع الحكام المستبدين (٧). والدول التي تسمى إسلامية حاليا، إنما لها تركيبة الدولة الحديثة التي ابتلعت المجتمع، وأصبح العلماء بالضرورة مرسمين فيها ترسيما مهما حاولوا الاستقلالية.
مفهوم الكيان السياسي
عند الديموقراطيين
تبعا لمفهوم الدولة الحديثة، فإن الكيان السياسي في الفكر الديموقراطي هو “الوطن” بالمفهوم القطري الحديث، المبني على حدود ثابتة معترف بها عالميا، والسكان داخل هذه الحدود، هم الشعب الذي تتشكل من خلاله شخصية ذلك الكيان. ولذلك فالولاء لهذا الوطن هو الانتماء الحقيقي، المترجم عمليا بمسؤولية الانتماء والدفاع والعطاء. وحتى لو كان هناك انتماءات أخرى روحية أو معنوية أو لغوية، فلن تكون لها قيمة في العطاء والمسؤولية والدفاع، بل ستكون انتماءات رمزية مقارنة بهذا الانتماء (٨).
في النظام الإسلامي
أما في الإسلام، فالكيان الإسلامي ليس له حدود، والتجمع البشري المحسوب على هذا الكيان لا يسمى شعبا، بل يسمى أمة، لأن الأمة لها مدلول عقائدي أوسع من مدلول الشعب. ومفهوم الأمة في الإسلام، إضافة لكونه معنويا روحيا، فهو في الأصل تجمع بشري واحد تحت قيادة واحدة في كيان سياسي لا يتوقف عن النمو أبدا، ويجمع عددا من الشعوب تحت مظلته. وفي الظروف التي لا تستطيع الأمة الاجتماع تحت قيادة واحدة، يبقى الانتماء الروحي والعقدي والمعنوي لأمة الإسلام، كما يبقى التطلع لتوحيد القيادة والكيان السياسي (٩).
مفهوم الشرعية
في الفكر الديموقراطي
الشرعية عند الديموقراطيين مرتبطة بالكامل بمدى انعكاس إرادة الشعب على تركيبة السلطة والشخصيات النافذة فيها. هذه الشرعية ليست مرتبطة بأي ثوابت أو قيم أو عقائد بل هي خاضعة كليا للأغلبية سواء في شرعية الآليات والدستور أو شرعية الفريق الحاكم.
صحيح أن التجربة البشرية في ضبط الآليات لتحقيق انعكاس الإرادة الشعبية، قد تراكمت بشكل ثري، وصحيح أنها في البيئة الديموقراطية الحقيقية تأتي بمن يختاره الشعب حقيقة، لكن يبقى هذا هو مفهوم الشرعية، ولا ثوابت أبعد من ذلك. وكثير من المبادئ التي ألحقت بالديموقراطية، مثل الشفافية والمحاسبة والحريات وحقوق الإنسان كلها، نسبية وليست بنيوية في الفكر الديموقراطي الذي ليس فيه إلا مطلق واحد وهو الأكثرية.
وتحقيق الشرعية في الفكر الديموقراطي، يترتب عليه القبول باختيار الشعب، والخضوع له والقناعة ضميريا بالالتزام بما يصدر عنه سواء كان قوانين تشريعية أو قرارات حكومية. هذا الخضوع والالتزام، إنما هو التزام عملي واقعي ليس له أي بعد روحي، أو قناعات دينية، أو ارتباط بثواب وعقاب أخروي(١٠).
ومن ذلك، تحكم اللوبيات بأمريكا، الذي حصل بطريقة شرعية وباستخدام الآليات الخاضعة للشرعية، وهي آليات الدستور والنظام الفيدرالي. وعلى نفس المنوال، حصل التنازل عن الحريات وحقوق الإنسان من أجل “الأمن” بطريقة شرعية.
في النظام الإسلامي
في المقابل فإن مفهوم الشرعية في الإسلام مفهوم ديني يحتوي على مجموعة من الثوابت الواضحة وله دلالات روحية ومرتبط بالثواب والعقاب سواء في تحقيق الشرعية أو في الالتزام فيها. فالسعي لتحقيق نظام شرعي بالمعنى الإسلامي واجب على المسلمين يؤجر الساعي له ويأثم المقصر عن السعي له. وإذا تحققت الشرعية في الحكم الإسلامي فإن الالتزام بإطاره واجب وطاعة كل المؤسسات التي تمثل الحاكم واجبة يؤجر فاعلها وياثم تاركها (١١).
والشرعية في الإسلام ليست مرتبطة بآليات وأكثريات بل مرتبطة مباشرة بتحقيق المقاصد التي شرعت من أجلها الإمامة وفرض من أجلها الحكم، فإذا تحققت هذه المقاصد في الكيان وفي النظام صار شرعيا وإذا لم تتحقق فليس بشرعي. هذه المقاصد محددة بالنصوص الشرعية الثابتة، ولا مجال فيها لتقويم بشري أو لتصويت شعبي. هذه المقاصد ليست مسرودة على شكل قائمة في آية أو حديث لكن بعد مراجعة شاملة للطريقة التي تناول فيها الكتاب والسنة لقضايا السياسة يمكن رصد هذه المجموعة من المقاصد.
١ـ أن تكون الدولة المسلمة كيانا واحدا يجمع المسلمين في مكان واحد وتحت قيادة واحدة بانتماء واحد كما جاء أعلاه في مفهوم الكيان والوطن والأمة.
٢ـ أن تكون مرجعية الدولة في كل شؤونها وأشخاصها خاضعة للكتاب والسنة وأن يكون الشرع الإسلامي هو المحكّم فيها مطلقا.
٣ـ أن يكون الإسلام أساس وجود الدولة وأساس علاقاتها مع الكيانات الأخرى فالصداقة والعداوة والحرب والسلم في العلاقات الدولية مرتبطة بالهوية الدينية للدولة.
٤ـ أن تكون السلطة محققة للواجبات التي لا تحققها إلا السلطة وعلى رأسها الجهاد والشعائر الجماعية مثل الجمع والجماعات والحج وغيرها، ومقابل ذلك أن تكون السلطة مانعة للأمور المحرمة التي لا تمنعها إلا السلطة مثل الربا والخلاعة الخ.
٥ـ أن تكون قيادة هذه الدولة منبثقة من اختيار الأمة ورضا الأمة (بانتخاب أو أي وسيلة أخرى) وخاضعة لمحاسبتها (سواء ببرلمان أو بأي وسيلة أخرى).
٦ـ أن تكون الدولة محققة للعدل بمفهومه الشامل: العدل أمام القضاء والعدل في النصيب من المال العام والعدل في فرص العمل الخ.
٧ـ أن تكون الدولة محققة للأمن بمفهومه الشامل: الأمن الجنائي والأمن القومي والأمن الاجتماعي والأمن الفكري الخ..
وعلماء المسلمين لا يختلفون في أن تحقيق المقاصد الأربع الأولى شرطا أكيدا للشرعية ولا يمكن إعطاء الشرعية لأي سلطة أو كيان حاكم لا يحقق هذه الاركان. أما الشروط الأخرى فهم متفقون على وجوبها لكنهم مختلفون على اعتبارها شرطا لتحقق الشرعية.
وبهذا التوضيح تكون الشرعية بالمفهوم الإسلامي مختلفة كثيرا عن الشرعية بالمفهوم الديموقراطي ولا تتداخل معها إلا في الفقرتين الخامسة والسادسة أعلاه. ويتضح كذلك أن السيادة للشرع وليست للشعب بل يحق للاقلية القادرة أن تفرض على الأكثرية حكم الشرع وهو ما حصل في بداية توسع دولة المدينة وما حصل في قمع المرتدين رغم أنهم الأكثرية (١٢).
ثوابت القيم والأخلاق وعلاقتها بالسياسة
في الفكر الديموقراطي
الفكر الديموقراطي “الخام” قائم على أساس غير متحيز لأي قيمة أو مبدأ أو أخلاق، والمشروع السياسي فيه ليس محكوما بهذه القيم والأخلاق وليس من مهمته خدمتها إلا أن ترى الأغلبية ذلك. ولأن فكرة الأكثرية وحدها مجرد فكرة رقمية ليس لها بعد قيمي ولا قدسية إنسانية يضطر المنظرون لليموقراطية أن يلحقوا بها مجموعة من القيم التي تضفي عليها شيئا من القدسية والطعم والذوق البشري.
ولو كانت الأكثرية وحدها مقدسة لكان رأي الجمهور في مباراة كرة القدم مقدما على رأي الحكم كما قال الدكتور المسيري (١٣)، ولكانت محاكمة سقراط أعلى درجات العدالة (١٤). وما دامت الديموقراطية الخام بهذا الجمود الإنساني كان لا بد أن تلحق بها مفاهيم ومباديء تعطيها بعدا قيمياً وتضفي عليها قدسية إنسانية.
الإشكال أن علاقة هذه القيم بالديموقراطية لن تكون بنيوية إذا خضعت للأكثرية فما الحل؟ الحل أن تكون هذه الثوابت ملزمة إجماعا فضلا عن الأكثرية. المعنى البسيط لهذا الكلام بكل تجرد هو إلزام كامل الشعب بمفاهيم غير خاضعة للاختيار مع زعم تقديس رأي الأكثرية، وهذه مناقضة لأصل الفكرة الخام، فكيف تُفرض على الشعب ثوابت غير خاضعة لرأي الأكثرية ثم يُزعم احترام رأي الأكثرية؟ (١٥).
وهناك ملاحظة لا ينتبه لها الكثير، وهي أن في الفكر الديموقراطي الخام الكثير من الممنوعات التي يمنعها القانون والواجبات التي يفرضها القانون لكن لا يوجد فيه أي فضيلة ينصح بها القانون ويشجع عليها أو المكروهات التي يحث على اجتنابها.
في النظام الإسلامي
النظام السياسي الإسلامي في المقابل زاخر بالمبادئ والقيم غير الخاضعة للنقاش، والتي يجب على الأكثرية والأقلية الالتزام بها بشكل مطلق. قوة هذه القيم والأخلاق والمبادئ، تأتي من أن مصدرها هو الوحي، بمعنى أنه مصدر غير بشري وله القدسية الذاتية المستغنية عن أي دعم بشري (١٦).
النقطة الأهم في قضية المبادئ في الإسلام، أنها مرتبطة بالنظام السياسي ارتباطا تبادليا، لا يستغني فيه أحد الطرفين عن الآخر. النظام السياسي نفسه يحتاج هذه القيم والأخلاق حتى يحقق الانضباط الاجتماعي، والتكافل والمسؤولية تجاه الأمة والكيان العام. والقيم والأخلاق تحتاج النظام السياسي، حتى يمكن سيادة القيم المقدسة وتنفيذ الواجبات ومنع المحرمات وتشجيع الفضيلة وحمايتها.
وبناء عليه؟
بعد هذا الاستعراض يتبين أن الإشكالية منهجية في أصل تناول الموضوع، وفي تصور مفهوم الدولة والشرعية والثوابت والقيم. ومن يريد أن ينزّل الموروث السياسي الإسلامي على مفهوم الدولة الحديثة دون اعتبار لهذه الفروق، فإنما يعتسفها اعتسافا أدرك أو لم يدرك (١٧).
لا بأس بالمقاربة لمجاراة الواقع والتعامل مع التحدي مؤقتا في دولة قطرية، لكن لا يمكن أن يكون الطرح الإسلامي متماسكا قويا، إذا حشر في قالب لا يناسبه، لأنه نشأ في الأصل على أساس لا ديني. وهذا بالضبط ما أسماه حلاق بالدولة المستحيلة (١٨)، فهو لم يقصد استحالة تحقيق الإسلام كدولة بل قصد استحالة اعتساف المشروع الإسلامي في الدولة الحديثة.
ولا يمكن أن يعود الطرح الإسلامي للتماسك، إلا أن يعود لأصل التركيبة الإسلامية في مفهوم الدولة والمجتمع والأرض والتشريع والهوية. وهذه لن تكون طفرة في الإبداع ومجاراة الواقع، بل ستكون إعادة ذكية وواعية ومدركة للمحتوى العظيم لهذا الموروث، لوعائه وقالبه الصحيح.
_______________________
الهوامش:
(١) قدم الغرب الأوربي فكرا ثريا في المجال السياسي على يد سلسلة طويلة من المفكرين والفلاسفة، كتوماس هوبز وروسو وفولتير ومونتسيكو وميكافيلي وماكس فايبر وراسل وتشومسكي وغيرهم الكثير، وقدم معه تطبيقا عمليا في آليات الدولة، وتنظيم شؤون السلطة وتصنيفها. هذه التجربة تزامنت مع انحسار الدين في أوربا، فصارت تطبيقات بشرية خالية من المرجعية الدينية.
(٢) يجب أن لا ننسى أن الهيمنة الغربية سياسيا وعسكريا وتقنيا تجاوزت القرنين من الزمان، ولا تزال في أوج قوتها وأثرها، خاصة بعد تطور تقنية الإعلام والمعلومات.
(٣) تعود بدايات الدولة الحديثة عمليا إلى صلح، وستفاليا الذي أنهى حروبا طاحنة في أوربا سنة ١٦٥٨مـ وفتح المجال لتغول الدولة بالسلطات الثلاث، والذي تنامى إلى أن وصل ذروته بعد الثورة الفرنسية، وبقي هكذا حتى الآن.
(٤) الأساس الفلسفي للسلطة المطلقة للدولة تحت مظلة العقد الاجتماعي، نبع من توماس هوبز قبل ٤ قرون، ثم لطفها جون لوك، لكن بقي المفهوم الأساسي في سيطرة الدولة على شؤون المجتمع والكيان السياسي كله.
(٥) من أوائل من أشار لهذا الفرق، المستشرق الأمريكي إيرا لابيدوس وراجع مقال الدكتور بشير نافع: الإسلاميون والدولة الحديثة:
(٦) للمفكر الأمريكي نوح فيلدمان رؤية عميقة في هذا الموضوع وهذا ملخص لإحدى محاضراته جمعتها سابقا في تغريدات:
(٧) جمع الشيخ عبد العزيز البدري رحمه الله قائمة من قصص المواجهات بين العلماء والحكام في كتاب أسماه “الإسلام بين العلماء والحكام” وكان هو شخصيا ضحية مواجهة مع الظالمين، حيث قتل في سجون البعثيين في العراق:
(٨) الحدود في الدولة القطرية تعتبر جزءا من تعريف الكيان، والتجمع البشري داخل هذه الحدود يعتبر شعب تلك الدولة، وهذا المفهوم نشأ كذلك بعد صلح وستفاليا المذكور أعلاه. لكن الحدود للأقطارالحالية لم تأخذ شكلها إلا بعد الحرب العالمية الثانية.
(٩) راجع كتاب الهوية والشرعية (دراسة في التأصيل الإسلامي لمفهوم الهوية)
للمؤلف شريف محمد جابر : http://www.alukah.net/library/0/36332/#ixzz3CZtnDv00
(١٠) البساطة والوضوح التي عرضنا بها مفهوم الشرعية في الفكر الديموقراطي، لا تعكس الحقيقة بدقة لأن المفهوم قضية جدلية لا تزال موضع نقاش فلاسفة السياسة الغربيين، منذ ماكس فايبر وانتهاء بهبرماس، ولم تحسم حتى الآن نظريا.
(١١) تحدث فقهاء الإسلام في القديم والحديث عن مفهوم الشرعية، وقد جُمعت معظم هذه النقولات في كتاب الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة، للشيخ الدكتور/ عبد الله بن عمر الدميجي.
(١٢) هذا التفصيل يبين أن التوجه عند بعض العلماء لاختزال الشرعية في شخص الحاكم، إنما هو منهج خاطئ، راجع تغريداتي في الرد على هذا التوجه وبيان أصل المشكلة في هذا الرابط
(١٣) “الديموقراطية والقيمة” للدكتور عبد الوهاب المسيري في موقع المعرفة في الجزيرة نت
(١٤) تذكر مدونات الإغريق أن محاكمة سقراط حسمها تصويت الدهماء، بتجريم سقراط والحكم بإعدامه، بمعنى أن العوام حلوا محل القاضي في الحكم على سقراط بالقتل.
(١٥) صحيح أن الثورة الفرنسية كانت حدثا فاصلا في إلغاء كل أنواع المرجعية الدينية تجاه الدولة، لكن دور الكنيسة والأعراف في صياغة القوانين، قد تعرض لضعف كثير قبل ذلك، ودبت الفوضى في مفهوم المرجعية القانونية فكان لا بد من اللجوء لممثلي الشعب في المرجعية. ومن عبارات جان جاك روسو التي تعطي فضاء لفرض قيم بالقوة تحت مظلة الديموقراطية قوله “” لتحرير الأفراد يجب القبض على راس الدولة , والحد من الحريات التي بها يؤذون المجتمع الذي يعيشون فيه ” ويقال إن موسوليني استخدم هذه العبارة لتبرير فاشيته.
(١٦) خضوع السياسة للدين في الإسلام لا يقتصر على ما هو داخل الكيان الإسلامي، بل إن تصرفات الدولة مع خصومها خاضعة بالكامل للدين، بخلاف الأنظمة الديموقراطية التي تحمي العدالة والحرية داخل إطار وطنها، وتدعم قمع الحريات والطغيان في بلاد أخرى.
(١٧) ربما لهذا السبب لم يحقق كتاب “النظام السياسي الإسلامي، مقارنا بالدولة القانونية – دراسة دستورية شرعية وقانونية مقارنة” للأستاذ الدكتور منير حميد البياتي، النتيجة المرجوة رغم أنه مشروع ضخم، استغرق الدكتور البياتي في إعداده تسع سنوات كاملة والسبب -والله أعلم- أنه شحم ولحم إسلامي على هيكل غربي.
(١٨) تحدث الاستاذ وائل حلاق (كندي من أصل سوري) في كتابه “الدولة المستحيلة” عن معظم هذه القضايا، وخرج باستنتاج أن الوعاء الغربي لا يمكن أن يستوعب المشروع الإسلامي. الكتاب نشر بالانجليزية وهذا استعراض لأهم نقاط الكتاب.