Friday, October 24, 2014

التحليل الاقتصادي للعوامل الهيكلية وغير الهيكلية في الاقتصاد المصري وأثر ذلك على التضخم

التحليل الاقتصادي للعوامل الهيكلية وغير الهيكلية 

في الاقتصاد المصري 

وأثر ذلك على التضخم

 إعداد الباحث/ جمال أبوزيد


تمر اقتصاديات العالم منذ فترة ليست بالقصيرة بمشاكل اقتصادية عديدة ، وقد طفت على السطح أبرز هذه المشاكل وهي مشكلة الماء والغذاء والطاقة والتضخم
ولا شك أن الدول المتخلفة تعاني هذه المشاكل بالتبعية نتيجة ارتباط اقتصادات الدول المتخلفة بالدول المتقدمة وأزمة 2008 خير دليل
في هذا المقام نتاول بالتحليل إحدى هذه الظواهر وهي ظاهرة التضخم
وتهدف هذه الدراسة إلى تحليل للعوامل الهيكلية وغير الهيكلية لمعرفة الخلل ومحاولة معرفة أثر ذلك
ونحاول التعرف على السبب الحقيقي لهذه المشكلة في محاولة لوضع حلول لتخفيف حدة التضخم على الأقل من خالا استخدام المنهج الاستقرائي التحليلي


Saturday, September 13, 2014

متى يستقيم النقاش حول الإسلام الديمقراطي ؟

متى يستقيم النقاش حول الإسلام الديموقراطي؟

تركي الجاسر

الإنتاج الفكري الغربي في علم السياسة جهد هائل، والتجربة الأوربية فائقة الثراء، سواء في المبادئ أو في الآليات. هذه التجربة الثرية لم تنتج كومة من الأفكار المبعثرة، بل أنتجت تشكيلة ذهنية كاملة، وقالبا يناسب المحتوى الفكري والعملي لهذه التجربة (١).
ولأن الغرب مهيمن فكريا وإعلاميا وسياسيا لعدة قرون، فليس غريبا أن تكون هذه التشكيلة وذلك القالب هو الأساس للعالم كله، في تصور وفهم علم السياسة (٢). وانسجام هذا القالب مع محتواه وتطبيقه بثقة وواقعية، صنع تحديا أربك الكثير من المفكرين والعلماء المسلمين، ولم يفطنوا للعلاقة بين القالب والمحتوى، وتعاملوا مع علم السياسة وهم في غفلة جماعية، وتصور منطلق من نفس التشكيلة والقالب الغربي.
وكثير ممن تحدث في الفكر السياسي الإسلامي، سواء من يتبنى “الديموقراطية الإسلامية” أو من يعارضها، إنما انطلقوا في حديثهم على أساس فهم “الدولة” و”الوطن” و”الشرعية”، بناء على هذه التشكيلة. وظن معظمهم أنهم يحسنون صنعا حين يملأون هذا القالب، بما لديهم من محتوى إسلامي بطريقة معتسفة، تحشر فيها استنتاجات التراث الإسلامي حشرا بين جدران القالب. وظن آخرون أن الحل هو في رفض آليات الديموقراطية لكن دون الخروج من تصور مفهوم الدولة والوطن بناء على هذه التشكيلة.
هذه المنهجية في تناول الموروث السياسي الإسلامي، لا يمكن أن تنتج صورة متماسكة، فضلا عن أن تثبت تفوقه على النموذج الغربي الذي استعار منه القالب. فالحل إذاً ليس في أن تضع لحما وشحما إسلاميا على هياكل الديموقراطية في دولة وطنية قطرية بالمفهوم الحديث، ولا أن ترفض الديموقراطية وأنت داخل هذا المفهوم، بل الحل في الخروج من التشكيلة الذهنية والقالب الفكري الغربي، والعودة لتشكيلة منطلقة من ذات الموروث الإسلامي.
في هذا المقال، محاولة لبيان للفوارق الكبرى في تناول الطرح السياسي، بين الإسلام والفكر الديموقراطي، على صعيد مفاهيم الدولة والوطن والشرعية، وعلاقتها بالمبادئ والقيم.
مفهوم الدولة
في الفكر الديموقراطي
مفهوم الدولة في الفكر الديموقراطي، هو نفس مفهوم الدولة الحديث (المفهوم العلماني) المبني على منظومة إدارية تسيطر على كل شي داخل حدود قطر معين. بمعنى آخر، فإن الدولة هي كل السلطات الثلاث، والمجتمع ليس إلا كيانا بشريا يعيش داخل وعائها، وبهذا يكون المجتمع كله داخل الدولة، وليس الدولة داخل المجتمع (٣).
وسواء كان النظام دكتاتوريا أو ديموقراطيا، فالدولة تمارس حق التشريع والقضاء والتنفيذ، ولا يمكن أن يخرج عن سلطتها شيء من نشاط البشر، بما في ذلك الشؤون التربوية والخيرية والتعليمية التي تخضع بشكل مباشر أو غير مباشر للدولة.
هذا المفهوم للدولة، هو الذي تشكلت به كل دول العالم منذ عدة قرون، واستقر في الوجدان حتى أصبح هو التصور الوحيد للدولة، ولا يخطر في بال الكثير أن هناك مفهوما آخر لها. هذه النمطية لمفهوم الدولة ليست إشكالية عند من يسمى بالإسلاميين التنويريين فقط، بل هي كذلك إشكالية عند الغالبية العظمى من “السلفيين”. وكثير من الإسلاميين يناقش وينــافح عن المشــروع الإســلامي، وهو لا يـعلم أنـه يتحدث عن دولة بهذا الشكل المعارض للمفهوم الإسلامي للدولة (٤).
في النظام الإسلامي
مفهوم الدولة في الإسلام أصغر من ذلك بكثير، فالدولة ليس لها إلا سلطة الدفاع والأمن وتنظيم الخدمات فقط، وبعض الأمور التنفيذية الأخرى مثل جباية الزكاة الخ. أما التشريع، وتحديد الخطأ والصواب والواجب والممنوع،،فليس للدولة منه أي نصيب، وأي تدخل في شؤون التشريع، إنما هو إخـراج لهذه الدولة عن التـعريف الشـرعي لها. ونفس الكلام ينـدرج على النشـاطات الخيـريـة والتربـوية والتعليميـة، فهذه من شؤون المجتمع والدولة ليس لها إلا حق الإشراف (٥).
ولأن التشريع في الإسلام خاضع لتنزيل الكتاب والسنة على الوقائع، صار التشريع بالضرورة من مهام العلماء. والعلماء لا يمكن أن تتبين مصداقيتهم في المرجعية، إلا بمدى نجاحهم في الاختبار المجتمعي، ولذلك فإن التشريع في نهاية المطاف، هو نتاج هذا الارتباط المجتمعي بالعلماء وليس بالسلطة. ونزع التشـريع من الدولـة يلحقـه نزع سلطتها في القضاء، وحـره فقط في تعيين القضاة، وليس في إنشاء إجراءات قضائية، ولا قانون يلزم به القضاة (٦).
وبهذا المفهوم، فإن الدولة الإسلامية مهما بلغت من الاستبداد في التفرد بسلطة الحكم التنفيذي، لا تستطيع مصادرة حق التشريع، وإلا سقطت عنها صفة الإسلامية، وصارت دولة علمانية بالمعنى الحديث. وقد مرت الدولة الأموية والعباسية بفترات استبداد وقمع شديد، لكن لم يجرؤ الحكام على مصادرة حق التشريع من المجتمع، وإلغاء دور العلماء. ولعل هذا هو السر في أن العلماء كانوا دائما في صدام مع الحكام المستبدين (٧). والدول التي تسمى إسلامية حاليا، إنما لها تركيبة الدولة الحديثة التي ابتلعت المجتمع، وأصبح العلماء بالضرورة مرسمين فيها ترسيما مهما حاولوا الاستقلالية.
مفهوم الكيان السياسي
عند الديموقراطيين
تبعا لمفهوم الدولة الحديثة، فإن الكيان السياسي في الفكر الديموقراطي هو “الوطن” بالمفهوم القطري الحديث، المبني على حدود ثابتة معترف بها عالميا، والسكان داخل هذه الحدود، هم الشعب الذي تتشكل من خلاله شخصية ذلك الكيان. ولذلك فالولاء لهذا الوطن هو الانتماء الحقيقي، المترجم عمليا بمسؤولية الانتماء والدفاع والعطاء. وحتى لو كان هناك انتماءات أخرى روحية أو معنوية أو لغوية، فلن تكون لها قيمة في العطاء والمسؤولية والدفاع، بل ستكون انتماءات رمزية مقارنة بهذا الانتماء (٨).
في النظام الإسلامي
أما في الإسلام، فالكيان الإسلامي ليس له حدود، والتجمع البشري المحسوب على هذا الكيان لا يسمى شعبا، بل يسمى أمة، لأن الأمة لها مدلول عقائدي أوسع من مدلول الشعب. ومفهوم الأمة في الإسلام، إضافة لكونه معنويا روحيا، فهو في الأصل تجمع بشري واحد تحت قيادة واحدة في كيان سياسي لا يتوقف عن النمو أبدا، ويجمع عددا من الشعوب تحت مظلته. وفي الظروف التي لا تستطيع الأمة الاجتماع تحت قيادة واحدة، يبقى الانتماء الروحي والعقدي والمعنوي لأمة الإسلام، كما يبقى التطلع لتوحيد القيادة والكيان السياسي (٩).
مفهوم الشرعية
في الفكر الديموقراطي
الشرعية عند الديموقراطيين مرتبطة بالكامل بمدى انعكاس إرادة الشعب على تركيبة السلطة والشخصيات النافذة فيها. هذه الشرعية ليست مرتبطة بأي ثوابت أو قيم أو عقائد بل هي خاضعة كليا للأغلبية سواء في شرعية الآليات والدستور أو شرعية الفريق الحاكم.
صحيح أن التجربة البشرية في ضبط الآليات لتحقيق انعكاس الإرادة الشعبية، قد تراكمت بشكل ثري، وصحيح أنها في البيئة الديموقراطية الحقيقية تأتي بمن يختاره الشعب حقيقة، لكن يبقى هذا هو مفهوم الشرعية، ولا ثوابت أبعد من ذلك. وكثير من المبادئ التي ألحقت بالديموقراطية، مثل الشفافية والمحاسبة والحريات وحقوق الإنسان كلها، نسبية وليست بنيوية في الفكر الديموقراطي الذي ليس فيه إلا مطلق واحد وهو الأكثرية.
وتحقيق الشرعية في الفكر الديموقراطي، يترتب عليه القبول باختيار الشعب، والخضوع له والقناعة ضميريا بالالتزام بما يصدر عنه سواء كان قوانين تشريعية أو قرارات حكومية. هذا الخضوع والالتزام، إنما هو التزام عملي واقعي ليس له أي بعد روحي، أو قناعات دينية، أو ارتباط بثواب وعقاب أخروي(١٠).
ومن ذلك، تحكم اللوبيات بأمريكا، الذي حصل بطريقة شرعية وباستخدام الآليات الخاضعة للشرعية، وهي آليات الدستور والنظام الفيدرالي. وعلى نفس المنوال، حصل التنازل عن الحريات وحقوق الإنسان من أجل “الأمن” بطريقة شرعية.
في النظام الإسلامي
في المقابل فإن مفهوم الشرعية في الإسلام مفهوم ديني يحتوي على مجموعة من الثوابت الواضحة وله دلالات روحية ومرتبط بالثواب والعقاب سواء في تحقيق الشرعية أو في الالتزام فيها. فالسعي لتحقيق نظام شرعي بالمعنى الإسلامي واجب على المسلمين يؤجر الساعي له ويأثم المقصر عن السعي له. وإذا تحققت الشرعية في الحكم الإسلامي فإن الالتزام بإطاره واجب وطاعة كل المؤسسات التي تمثل الحاكم واجبة يؤجر فاعلها وياثم تاركها (١١).
والشرعية في الإسلام ليست مرتبطة بآليات وأكثريات بل مرتبطة مباشرة بتحقيق المقاصد التي شرعت من أجلها الإمامة وفرض من أجلها الحكم، فإذا تحققت هذه المقاصد في الكيان وفي النظام صار شرعيا وإذا لم تتحقق فليس بشرعي. هذه المقاصد محددة بالنصوص الشرعية الثابتة، ولا مجال فيها لتقويم بشري أو لتصويت شعبي. هذه المقاصد ليست مسرودة على شكل قائمة في آية أو حديث لكن بعد مراجعة شاملة للطريقة التي تناول فيها الكتاب والسنة لقضايا السياسة يمكن رصد هذه المجموعة من المقاصد.
١ـ أن تكون الدولة المسلمة كيانا واحدا يجمع المسلمين في مكان واحد وتحت قيادة واحدة بانتماء واحد كما جاء أعلاه في مفهوم الكيان والوطن والأمة.
٢ـ أن تكون مرجعية الدولة في كل شؤونها وأشخاصها خاضعة للكتاب والسنة وأن يكون الشرع الإسلامي هو المحكّم فيها مطلقا.
٣ـ أن يكون الإسلام أساس وجود الدولة وأساس علاقاتها مع الكيانات الأخرى فالصداقة والعداوة والحرب والسلم في العلاقات الدولية مرتبطة بالهوية الدينية للدولة.
٤ـ أن تكون السلطة محققة للواجبات التي لا تحققها إلا السلطة وعلى رأسها الجهاد والشعائر الجماعية مثل الجمع والجماعات والحج وغيرها، ومقابل ذلك أن تكون السلطة مانعة للأمور المحرمة التي لا تمنعها إلا السلطة مثل الربا والخلاعة الخ.
٥ـ أن تكون قيادة هذه الدولة منبثقة من اختيار الأمة ورضا الأمة (بانتخاب أو أي وسيلة أخرى) وخاضعة لمحاسبتها (سواء ببرلمان أو بأي وسيلة أخرى).
٦ـ أن تكون الدولة محققة للعدل بمفهومه الشامل: العدل أمام القضاء والعدل في النصيب من المال العام والعدل في فرص العمل الخ.
٧ـ أن تكون الدولة محققة للأمن بمفهومه الشامل: الأمن الجنائي والأمن القومي والأمن الاجتماعي والأمن الفكري الخ..
وعلماء المسلمين لا يختلفون في أن تحقيق المقاصد الأربع الأولى شرطا أكيدا للشرعية ولا يمكن إعطاء الشرعية لأي سلطة أو كيان حاكم لا يحقق هذه الاركان. أما الشروط الأخرى فهم متفقون على وجوبها لكنهم مختلفون على اعتبارها شرطا لتحقق الشرعية.
وبهذا التوضيح تكون الشرعية بالمفهوم الإسلامي مختلفة كثيرا عن الشرعية بالمفهوم الديموقراطي ولا تتداخل معها إلا في الفقرتين الخامسة والسادسة أعلاه. ويتضح كذلك أن السيادة للشرع وليست للشعب بل يحق للاقلية القادرة أن تفرض على الأكثرية حكم الشرع وهو ما حصل في بداية توسع دولة المدينة وما حصل في قمع المرتدين رغم أنهم الأكثرية (١٢).
ثوابت القيم والأخلاق وعلاقتها بالسياسة
في الفكر الديموقراطي
الفكر الديموقراطي “الخام” قائم على أساس غير متحيز لأي قيمة أو مبدأ أو أخلاق، والمشروع السياسي فيه ليس محكوما بهذه القيم والأخلاق وليس من مهمته خدمتها إلا أن ترى الأغلبية ذلك. ولأن فكرة الأكثرية وحدها مجرد فكرة رقمية ليس لها بعد قيمي ولا قدسية إنسانية يضطر المنظرون لليموقراطية أن يلحقوا بها مجموعة من القيم التي تضفي عليها شيئا من القدسية والطعم والذوق البشري.
ولو كانت الأكثرية وحدها مقدسة لكان رأي الجمهور في مباراة كرة القدم مقدما على رأي الحكم كما قال الدكتور المسيري (١٣)، ولكانت محاكمة سقراط أعلى درجات العدالة (١٤). وما دامت الديموقراطية الخام بهذا الجمود الإنساني كان لا بد أن تلحق بها مفاهيم ومباديء تعطيها بعدا قيمياً وتضفي عليها قدسية إنسانية.
الإشكال أن علاقة هذه القيم بالديموقراطية لن تكون بنيوية إذا خضعت للأكثرية فما الحل؟ الحل أن تكون هذه الثوابت ملزمة إجماعا فضلا عن الأكثرية. المعنى البسيط لهذا الكلام بكل تجرد هو إلزام كامل الشعب بمفاهيم غير خاضعة للاختيار مع زعم تقديس رأي الأكثرية، وهذه مناقضة لأصل الفكرة الخام، فكيف تُفرض على الشعب ثوابت غير خاضعة لرأي الأكثرية ثم يُزعم احترام رأي الأكثرية؟ (١٥).
وهناك ملاحظة لا ينتبه لها الكثير، وهي أن في الفكر الديموقراطي الخام الكثير من الممنوعات التي يمنعها القانون والواجبات التي يفرضها القانون لكن لا يوجد فيه أي فضيلة ينصح بها القانون ويشجع عليها أو المكروهات التي يحث على اجتنابها.
في النظام الإسلامي
النظام السياسي الإسلامي في المقابل زاخر بالمبادئ والقيم غير الخاضعة للنقاش، والتي يجب على الأكثرية والأقلية الالتزام بها بشكل مطلق. قوة هذه القيم والأخلاق والمبادئ، تأتي من أن مصدرها هو الوحي، بمعنى أنه مصدر غير بشري وله القدسية الذاتية المستغنية عن أي دعم بشري (١٦).
النقطة الأهم في قضية المبادئ في الإسلام، أنها مرتبطة بالنظام السياسي ارتباطا تبادليا، لا يستغني فيه أحد الطرفين عن الآخر. النظام السياسي نفسه يحتاج هذه القيم والأخلاق حتى يحقق الانضباط الاجتماعي، والتكافل والمسؤولية تجاه الأمة والكيان العام. والقيم والأخلاق تحتاج النظام السياسي، حتى يمكن سيادة القيم المقدسة وتنفيذ الواجبات ومنع المحرمات وتشجيع الفضيلة وحمايتها.
وبناء عليه؟
بعد هذا الاستعراض يتبين أن الإشكالية منهجية في أصل تناول الموضوع، وفي تصور مفهوم الدولة والشرعية والثوابت والقيم. ومن يريد أن ينزّل الموروث السياسي الإسلامي على مفهوم الدولة الحديثة دون اعتبار لهذه الفروق، فإنما يعتسفها اعتسافا أدرك أو لم يدرك (١٧).
لا بأس بالمقاربة لمجاراة الواقع والتعامل مع التحدي مؤقتا في دولة قطرية، لكن لا يمكن أن يكون الطرح الإسلامي متماسكا قويا، إذا حشر في قالب لا يناسبه، لأنه نشأ في الأصل على أساس لا ديني. وهذا بالضبط ما أسماه حلاق بالدولة المستحيلة (١٨)، فهو لم يقصد استحالة تحقيق الإسلام كدولة بل قصد استحالة اعتساف المشروع الإسلامي في الدولة الحديثة.
ولا يمكن أن يعود الطرح الإسلامي للتماسك، إلا أن يعود لأصل التركيبة الإسلامية في مفهوم الدولة والمجتمع والأرض والتشريع والهوية. وهذه لن تكون طفرة في الإبداع ومجاراة الواقع، بل ستكون إعادة ذكية وواعية ومدركة للمحتوى العظيم لهذا الموروث، لوعائه وقالبه الصحيح.
_______________________
الهوامش:
(١) قدم الغرب الأوربي فكرا ثريا في المجال السياسي على يد سلسلة طويلة من المفكرين والفلاسفة، كتوماس هوبز وروسو وفولتير ومونتسيكو وميكافيلي وماكس فايبر وراسل وتشومسكي وغيرهم الكثير، وقدم معه تطبيقا عمليا في آليات الدولة، وتنظيم شؤون السلطة وتصنيفها. هذه التجربة تزامنت مع انحسار الدين في أوربا، فصارت تطبيقات بشرية خالية من المرجعية الدينية.
(٢) يجب أن لا ننسى أن الهيمنة الغربية سياسيا وعسكريا وتقنيا تجاوزت القرنين من الزمان، ولا تزال في أوج قوتها وأثرها، خاصة بعد تطور تقنية الإعلام والمعلومات.
(٣) تعود بدايات الدولة الحديثة عمليا إلى صلح، وستفاليا الذي أنهى حروبا طاحنة في أوربا سنة ١٦٥٨مـ وفتح المجال لتغول الدولة بالسلطات الثلاث، والذي تنامى إلى أن وصل ذروته بعد الثورة الفرنسية، وبقي هكذا حتى الآن.
(٤) الأساس الفلسفي للسلطة المطلقة للدولة تحت مظلة العقد الاجتماعي، نبع من توماس هوبز قبل ٤ قرون، ثم لطفها جون لوك، لكن بقي المفهوم الأساسي في سيطرة الدولة على شؤون المجتمع والكيان السياسي كله.
(٥) من أوائل من أشار لهذا الفرق، المستشرق الأمريكي إيرا لابيدوس وراجع مقال الدكتور بشير نافع: الإسلاميون والدولة الحديثة:
(٦) للمفكر الأمريكي نوح فيلدمان رؤية عميقة في هذا الموضوع وهذا ملخص لإحدى محاضراته جمعتها سابقا في تغريدات:
(٧) جمع الشيخ عبد العزيز البدري رحمه الله قائمة من قصص المواجهات بين العلماء والحكام في كتاب أسماه “الإسلام بين العلماء والحكام” وكان هو شخصيا ضحية مواجهة مع الظالمين، حيث قتل في سجون البعثيين في العراق:
(٨) الحدود في الدولة القطرية تعتبر جزءا من تعريف الكيان، والتجمع البشري داخل هذه الحدود يعتبر شعب تلك الدولة، وهذا المفهوم نشأ كذلك بعد صلح وستفاليا المذكور أعلاه. لكن الحدود للأقطارالحالية لم تأخذ شكلها إلا بعد الحرب العالمية الثانية.
(٩) راجع كتاب الهوية والشرعية (دراسة في التأصيل الإسلامي لمفهوم الهوية)
للمؤلف شريف محمد جابر : http://www.alukah.net/library/0/36332/#ixzz3CZtnDv00
(١٠) البساطة والوضوح التي عرضنا بها مفهوم الشرعية في الفكر الديموقراطي، لا تعكس الحقيقة بدقة لأن المفهوم قضية جدلية لا تزال موضع نقاش فلاسفة السياسة الغربيين، منذ ماكس فايبر وانتهاء بهبرماس، ولم تحسم حتى الآن نظريا.
(١١) تحدث فقهاء الإسلام في القديم والحديث عن مفهوم الشرعية، وقد جُمعت معظم هذه النقولات في كتاب الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة، للشيخ الدكتور/ عبد الله بن عمر الدميجي.
(١٢) هذا التفصيل يبين أن التوجه عند بعض العلماء لاختزال الشرعية في شخص الحاكم، إنما هو منهج خاطئ، راجع تغريداتي في الرد على هذا التوجه وبيان أصل المشكلة في هذا الرابط
(١٣) “الديموقراطية والقيمة” للدكتور عبد الوهاب المسيري في موقع المعرفة في الجزيرة نت
(١٤) تذكر مدونات الإغريق أن محاكمة سقراط حسمها تصويت الدهماء، بتجريم سقراط والحكم بإعدامه، بمعنى أن العوام حلوا محل القاضي في الحكم على سقراط بالقتل.
(١٥) صحيح أن الثورة الفرنسية كانت حدثا فاصلا في إلغاء كل أنواع المرجعية الدينية تجاه الدولة، لكن دور الكنيسة والأعراف في صياغة القوانين، قد تعرض لضعف كثير قبل ذلك، ودبت الفوضى في مفهوم المرجعية القانونية فكان لا بد من اللجوء لممثلي الشعب في المرجعية. ومن عبارات جان جاك روسو التي تعطي فضاء لفرض قيم بالقوة تحت مظلة الديموقراطية قوله “” لتحرير الأفراد يجب القبض على راس الدولة , والحد من الحريات التي بها يؤذون المجتمع الذي يعيشون فيه ” ويقال إن موسوليني استخدم هذه العبارة لتبرير فاشيته.
(١٦) خضوع السياسة للدين في الإسلام لا يقتصر على ما هو داخل الكيان الإسلامي، بل إن تصرفات الدولة مع خصومها خاضعة بالكامل للدين، بخلاف الأنظمة الديموقراطية التي تحمي العدالة والحرية داخل إطار وطنها، وتدعم قمع الحريات والطغيان في بلاد أخرى.
(١٧) ربما لهذا السبب لم يحقق كتاب “النظام السياسي الإسلامي، مقارنا بالدولة القانونية – دراسة دستورية شرعية وقانونية مقارنة” للأستاذ الدكتور منير حميد البياتي، النتيجة المرجوة رغم أنه مشروع ضخم، استغرق الدكتور البياتي في إعداده تسع سنوات كاملة والسبب -والله أعلم- أنه شحم ولحم إسلامي على هيكل غربي.
(١٨) تحدث الاستاذ وائل حلاق (كندي من أصل سوري) في كتابه “الدولة المستحيلة” عن معظم هذه القضايا، وخرج باستنتاج أن الوعاء الغربي لا يمكن أن يستوعب المشروع الإسلامي. الكتاب نشر بالانجليزية وهذا استعراض لأهم نقاط الكتاب.



Tuesday, August 26, 2014

تصحيح المسار الفقهي في دور الزكاة السياسي والتعبدي

 تصحيح المسار الفقهي 

في دور الزكاة السياسي والتعبدي

هذه ورقة بحثية تبين التطور التاريخي لفقه الزكاة
وقد وضحت فيها المسار الصحيح لفهم الفقه المقاصدي والمصلحي للزكاة  وجمعت بينه وبين فقه العبادات في الزكاة
فكلما كان الخطأ مبنيا على أصول فقهية وله أصل في فتاوى العلماء كلما صعب اكتشافه
وهذا ما حدث في الفقه الصحيح لفقه الزكاة المقاصدي  والفروعي
الورقة تحتوي على التطور التاريخي وبيان العوامل المؤثرة في عملية الفتوى في جمع الزكاة  وتوزيعها  والتي من أهمها
الإمام العادل - الإمام الفاسق - الإمام الخارج عن الإسلام
وكيفية إعادة التكليف التعبدي على الفرد المخرج للزكاة بحسب أحوال الإمام    وبحسب احتياجات  واولويات المجتمع المسلم
وهذا كله بهدف أن تؤدي الزكاة  أفضل جور مصلحي للأمة

وقد نشأ في عصرنا أمر مهم آخر وهو الصراع على أموال الزكاة بين الحكومات والجماعات الإسلامية 
وكيف تنبهت الحكومات لأهمية ودور الزكاة في دعم الجماعات الإسلامية وكيف أن الحكومات اتخذت من  الإجراءات ما يحرم الجماعات من هذه الأموال
وكيف أن الأخطاء الفقهية للحركات الإسلامية ساعدت أعداء الإسلام في تحقيق مرادهم وحرمت المسلمين من الزكاة حتى أن أحد البحوث الأمريكية كتب في تقرير له أن الحركات الإسلامية هي سبب تأخير الثورة في مصر بسبب انفاقها على الفقراء ، فكانت الزكاة هي أداة الدعم الرئيسية للاستبداد في مصر وكان ذلك يتم نتيجة الفهم الخاطئ لفقه الزكاة المقاصدي المصلحي  والفروعي الذي تتبناه الجماعات الإسلامية.



Saturday, April 5, 2014

أسس النظام المعرفي

أسس النظام المعرفي

إعداد د/ خالد حافظ


النظام المعرفي الإسلامي

    النظام المعرفي يشبه تماما فكرة الهندسة , فمن دون رؤية هندسية لا يمكن إنشاء أي بناء صغر أم كبر , سواء أدرك الباني مفاهيم الهندسة أو عرفها بوصفها علما أم لم يعرفها , لذلك قد يكون من شدة عمق النظام المعرفي وتغلغله في الفكر الإنساني أنه لم يعرف , ولم تنفق جهود في تحديده , لأن البديهي لا يحتاج إلى تعريف ؛ فالناظر في حقيقة النظام المعرفي بعيدا عن المصطلح الذي يطلق عليه , يجد أن النظام المعرفي الإسلامي , سواء اعتبر لأسلمة المعرفة أو هو ذاته مرادفا لها . ظاهرة تاريخية ممتدة صاحبت العقل المسلم منذ أن أوحى إليه أن يقرأ باسم الله في كتابه الموحى , أو أن يقرأ مع الله في كتابه الكوني المكتوب بيد قدرته .



(1) التوحيد :
          هو وحدة الحقيقة ويحتوي على قواعد ثلاثة :
   أ – رفض كل ما لايتطابق مع الحقيقة (رفض التزيف والشك في الإسلام)
   ب – إنكار المتناقضات اللامتناهية (عدم تعارض العقل والنقل) 
   ج – الانفتاح على البيانات الجديدة والمضادة وكليهما معا , بمعنى الاجتهاد الدائم (يصون المسلم من الجمود والتقليد)
·       أبعاد أو مبادئ " لا إله إلا الله " :
-      تفسير كنه الخليقة (الخالق والمخلوق منفصلان) .
-      الصلة الوحيدة بين عالم الخالق وعالم المخلوق هي الصلة العقلية , التي تؤهل المخلوق لإدراك إرادة الخالق .
-      غاية الخلق تحقيق إرادة الخالق .
-      تكليف الإنسان بتحقيق إرادة الله .
-      الوسع مبدأ معرفي ميتافيزيقي . فقد وضع الله في فطرة البشر القدرة على التعرف وإدراك أوامره وطاعته .
(2) عالم الغيب :
           الإيمان بالغيب من مقتضيات التعاليم الإسلامية , وينقسم إلى قسمين :
-      العقيدة : وتشمل الإليهيات , والنبوات , والغيبيات .
-      التوحيد : ويشمل الشريعة والذي يظهر من خلال التطبيق السلوكي .
         ومن أهم مظاهر تأثير الإيمان بالله :
أ – سعة النظر :
علاقة اضطرادية مع المعلومات والحقائق . فالمسلم يتسع نظره عن الكافر لأنه ينظر إلى الحقائق من خلال عالمين عالم غيبي وعالم الشهادة , بخلاف الكافر ينظر من خلال عالم مادي فقط .
ب – تحرر الفكر :
الإيمان بالله وعالم الغيب (ما وراء المادة) يحرر الفكر الإنساني من القيد الذي يكبله عن إدراك الحقيقة . (المسيحية وخطيئة الإنسان , وتجسيد المسيح) , وكذلك  التوحيد يحرر الفكر من الرؤية التشاؤمية .


ج – وحدة المعرفة :
من مقتضيات الإيمان أن يرى الكون وما يجري فيه من أحداث من تدبير الله . فهو وحده المسَبَب المطلق المفرد لكل ما يجري من أحداث , السبب لكل ما هو كائن . فوحدة المعرفة تعطي رؤية كلية , وتبتعد عن الرؤية التجزيئية .
-      الإيمان بوحدة المعرفة كفيل بتجاوز حالة الفوضى الفكرية السائدة في الفكر الفلسفي والعلمي وحتى الديني .
-      وحدة المعرفة تجعل حركة الإنسان منسجمة متوافقة متواصلة مع عالم الغيب .
(3) عالم الشهادة :  
            ينطلق هذا المحور من عدة أبعاد :
-      أن الله مدبر الكون بما فيه " يدبر الأمر من السماء إلى الأرض " , ويحيط علما بخفاياه وأسراره .
-      الإنسان يستطيع إدراك السنن والقوانين التي تحرك هذا العالم .
-      العالم شبكة من العلاقات السببية المترابطة المعتمدة على بعضها , والتي تكرر نفسها ويمكن اكتشافها وهو ما يسمى بالعلم .
-      إن العلوم لا تحتاج فصل الله عن الطبيعة .
-      المعرفة شرط الخلافة , والعلاقة طردية .
-      وضع العقل الإسلامي وإمكاناته المادية والمعنوية تختلف عن العقل اليوناني .
 


      يطلق المعرفي أحيانا على الإبستمولوجي (Epistmologique) , إذ تطلق هذه الكلمة في النسق الغربي على " دراسة مناهج المعرفة التي تطبق في العلوم " كما تطلق على نظرية العلوم.  وتتعلق كذلك بمشكلات المعرفة في الفلسفة وفي العلم , وعلى أشكال التفكير الرياضي , غير أن مفهومها تحدد أكثر غاستون باشلار (1884/1962) , عندما أشار إلى أسس الفكر العقلاني للقيزياء المعاصرة في علاقته بالتجربة .
 فالإبستمولوجيا , إذا تميز بين شكلين للمعرفة :
الأول : هو المعرفة الحسية , وتقوم على المنهج الواقعي (Realiste)  .
الثاني : هو المعارف العقلية (Rationalistes) والمثالية (Idealistes) .
ومن ثم , فهي دراسة نقدية لمبادئ العلوم المختلفة , فروضها , ونتائجها , وتحديد أصلها المنطقي , وقيمتها الموضوعية .
      ومن جملة القضايا التي تثيرها الإبستمولوجيا قضية الجوهر وفكرة الكل , فالجوهر هو الدعامة الأساسية والثابتة لكل الظواهر , وهو الناحية الأولية والكلية في الشيء , وتعتمد الظواهر على على الجوهر لوجودها , ولا يعتمد هو على أي شيء لوجوده . ومن ثم فإن الجوهر هو الحقيقي وما عداه فهو وهم . فهل كان من الضروري البحث عن فكرة الجوهر هذه المختفية خلف الظواهر ؟ أما كانت الأشياء – كما تبدو لنا – كافية في فهم حقيقة الوجود حتى نبحث عن شيء هو الجوهر .  
        وفي ضوء ما سبق يتضح ما يلي :
- فجوهر حضارة المسلمين هو التوحيد , فهو المرشد والموجه والناظم والضابط لكل حركات الفعل الإنساني . فلا يمكننا فهم الأشياء والأفكار من دون الرجوع للجوهر .
- فالإيمان بفكرة الجوهر يعني الإيمان بأن ثمة ثباتا في الواقع , وأن هناك كليات ثابتة وراء الجزئيات المتغيرة . ويختلف هذا التصور عن تصور العدميين والسفسطائيين ودعاة ما بعد الحداثة الذين لا يؤمنون بوجود جوهر , لأن كل شيء عندهم متغير وعرض .
- فالنموذج المعرفي التوحيدي يقوم على الإيمان بفكرة اليقين الموحى به من الله , في مقابل الشكية التي يتسم بها النموذج المعرفي الغربي .
- التصور الغربي قائم على مبدأ النفعية كأساس أو معيار للحقيقة , ويفتقر في حقيقته إلى الإجابة عن الأسئلة الكلية والنهائية .
      ومن ثم , فالنموذج المعرفي الغربي قسم المعرفة كما يلي :
أ – المعرفة الطبيعية . (Natural Sciences)
ب – المعرفة الإنسانية . (Humanities)
ج – المعرفة الطبيعية .  (Social Studies)
     هذا التقسيم بدوره ينافي حقيقة التصور الإسلامي الذي يضع أعلى مراتب المعرفة الإيمان بالله ووحدانيته , ثم معرفة بأحكام شريعته ومضمون عقيدته , وبعدها معرفة الإنسان للكون الذي يعيش فيه وإضافة إلى معرفته بنفسه وبالحياة , بحيث تتكون بنية النظام المعرفي من الوحي والكون الذي يشمل الطبيعة والإنسان , ومجالاته هي عالم الغيب وعالم الشهادة . ليجمع في الأخير جدلية الغيب وجدلية الإنسان وجدلية الطبيعة , أما النظام المعرفي الغربي فيشمل جدلية الإنسان وجدلية الطبيعة فحسب , في محاولته الإجابة على الأسئلة الكبرى والنهائية الآتية :
ما علاقة الإنسان بالطبيعة (المادة) وأيهما يسبق الآخر ؟
ما الهدف من الوجود ؟
    المشكلة المعيارية من أين يستمد الإنسان معايره ؟ من عقله المادي , أم من اسلافه , ام من جسده , أم من الطبيعة (المادة), أم من قوى أخرى متجاوزة المادة ؟  
ومن ثم فالمعرفة في النموذج الإسلامي مشروع مفتوح , وجهد متواصل , وسعي مستمر من أجل الكشف عن الحقيقة المصفاة من الدجل والتدليس والتلبيس .
   ويمكن تلخيص هذه الإبستمولوجيا البديلة المقترحة في المحاور التالية :
أ – التوحيد بوصفه نظرة تفسر العالم : فهو نظرة للواقع والحقيقة والعالم والزمان والمكان والتاريخ البشري , وهو بذلك يشمل المبادئ الآتية :


ب – التوحيد بوصفه جوهر الحضارة :
فهو بذلك له بعدان المنهج والمحتوى , يشكل البعد الأول تطبيق وتوظيف المبادئ الأولى في الحضارة , كما يحدد الجانب الثاني المبادئ الأولى نفسها .

(2) المحتوى :
     التوحيد بوصفه مبدأ في الفلسفة الماوراء طبيعية . يعني أن التوحيد ضرورة , لإلغاء أية  قوة فاعلة في الطبيعة إلى جانب قدرة الله , الذي تكون مبادرته الأزلية هي القوانين الثابتة في الطبيعة , الله هو السبب الأول للموجودات .  وهو ما وصل له العلماء الغربيين أخيرا , بعد أن نبذوا الميتافيزيقا لفترة طويلة . فقد نبذ الغرب فكرة الله من الكون , ومن العلم أيضا , عادوا من جديد إلى القول إن نظام الكون وتناسق عناصره ودقة إحداث ظواهره , لايمكن أن تصدر إلا عن إله مطلق .  فالحقيقة في التصور الإسلامي لاتفصل الطبيعي عما وراء الطبيعة , ولا تفصل النظرية عن التطبيق , والنظر عن العمل والعقل عن السلوك , والدين عن الدنيا , والدنيا عن الآخرة , والإنسان عن الله وعن الكون , والمجرد عن المشخص والنسبي عن المطلق ِ, والكل عن الجزء , والعام عن الخاص , والمركز عم الأطراف والبؤرة عن الهامش , فهذه كلها سمات للحقيقة وفق الإبستمولوجيا البديلة التي يطرحها الفاروقي .  
ثالثا : الأساس القيمي :
        لما انطلقت النظرية المعرفية الغربية من جدلية الإنسان الطبيعة دون الوحي , اتخذ العلم بفعل منهجه ومفاهيمه وسيلة لتعزيز عالم ظلت فيه السيطرة على الطبيعة مرتبطة بالسيطرة على الإنسان , فالطبيعة الخاضعة للعقلانية العلمية , تبدو متمثلة في جهاز الإنتاج والتدمير التقني , الذي يضمن للافراد حياتهم ويسهلها , والذي يخضعهم في الوقت نفسه لأصحاب الجهاز . ومن خلال هذا المنظور افتقر العلم إلى جملة من القيم والضوابط , مما تسبب في اغتراب الإنسان في النهاية (هربرت ماركيوز 1889/1979) , فأصبح العلم مرجعية ذاته .
فالنظرية المعرفية تتكون من شقين :
الأول : يتعلق بإنتاج العلم .
الثاني : يتعلق بتوظيف العلم المنتج لتسيير حياتنا العملية , وما يترتب على ذلك من تفاعل بين الوحي والواقع الاجتماعي , ما يؤدي إلى نمو العلم الإسلامي التجريبي في المجالين الطبيعي والاجتماعي .ةولكن عملية التوظيف تقتضي وجود المقاصد الحياتية , والمقاصد تقتضي وجود الدوافع النفسية الحافزة للعلم , والمقاصد والدوافع تقتضي وجود مرجعية قيمية وأخلاقية حاكمة .
 

فالعلم الأخلاقي من خلال النظام المعرفي الإسلامي يخلق الإنسان الذي يحقق إرادة الله يقتضي وجود الامة , بمعني أنه يستحيل وجود الأمة الإسلامية دون وجود البشرية والحياة , فلأجلها أنزل , فاستمرارها رهن قيمها وأخلاقها . 
علم الجمال : وصف القرآن الله بصفات الجمال والجلال والكمال " ولله الأسماء الحسنى "
" وليس كمثله شيء ".
فالفن في النسق الإسلامي يرتبط باللامتناهي , حيث يتوجه ذهن المتلقي نحو الله , ويغدو الفن دعما للعقيدة الدينية وتذكيرا بها . بينما الفن في النسق الغربي تجسيد للطبيعة وتقديس لها , وتطور الامر ليتخذ الفن شكل محاكاة الإله , فهو يصنع الألهة على شكل البشر ويضفي عليهم صفات بشرية .
الفرق بين مصطلحي (Aesthetic/Beauty) , الأول الجمال المادي , والثاني الجمال .
فالجمال والفن باعتبارهما قيمتين ينضويان تحت منظومة القيم الإسلامية التي لا تخصان مجالا معينا , بل هي جزء لا يتجزأ من نسق كامل , هو النسق المعرفي الإسلامي . بمعنى أن الجمال ليس غاية لذاتها وإنما هو أحد الأهداف التي ترد للغاية الكبرى من الخلق والمتمثلة في ربط الخلق بالخالق , برابطة التوحيد , وما يقتضيه من تذكير بنعم الله على خلقه ظاهرة وباطنة .