Saturday, February 1, 2014

قراءة في كتاب الدولة المستحيلة لوائل بهجت حلاق


نقلا عن موقع مؤمنون بلاحدود :

صدر للأكاديمي الفلسطيني الأمريكي المعروف وائل حلاق كتاب متميز بعنوان"الدولة المستحيلة: الإسلام، السياسة، وأزمة القيم الحداثية"، ليلخص فيه ما وصل إليه من خلال أعماله السابقة المعروفة التي جعلت منه مرجعًا لدارسي الفقه والقانون الإسلاميين، وخاصّة في العالم الأنجلوفوني. ومن إصدارات الكاتب السابقة: "الفقه والنظريات الفقهية في الإسلام الكلاسيكي والوسيط" 1995، "تاريخ النظريات الفقهية في الإسلام" (1997) ترجمة أحمد موصللي (2007)، "نشأة الفقه الإسلامي وتطوره" (2005 ترجمة رياض الميلادي 2007)، و"السلطة المذهبية: التقليد والتجديد في الفكر الإسلامي"، ترجمة أحمد موصللي (2007).
جاء الكتاب في سبعة فصول، كانت على النحو التالي:
1- مقدمات
2- الدولة الحديثة
3- الفصل بين السلطات: سلطة القانون أم قانون السلطة؟
4- القانوني والسياسي والقيمي
5- الذات السياسية ومحصنات الذات الأخلاقية
6 - محاصرة العولمة واقتصاد القيم
7- المجال الرئيس للقيم
نلخّص بداية الفكرة الأساسية التي يحملها الكتاب في نقاط ثلاث، يلي ذلك تفصيل نقطتين منها بأمثلة يسوقها الكاتب، ونختم بتساؤلات موجزةنصوغها نحن انطلاقًا من الفكرالإسلامي المعاصر والحياة السياسية في سياق "الربيع العربي". هذا رغم أن الكاتب يؤكد أن فكرة الكتاب ليست وليدة أحداث الربيع العربي، كما أنها ليست وليدة شعور بالنوستالجيا (الحنين) لعالم مثالي مستحيل. 


 أما الفكرة الأولى التي يطرحها الكتاب هي أن الحداثة الغربية تعيش أزمة قيم عميقة تتجلى في مفهوم الدولة الحديثة وما يتبعها من نتائج لا قيمية على كلّ المستويات. والفكرة الثانية هي أنّ"الدولة الإسلامية" مفهوم لا قاعدة له في التجربة الإسلاميةالتاريخية، بل هو مفهوم تمّإسقاطهعلى الفكر الإسلاميّ خطأ، ومن ثم كان عنوان الكتاب: "الدولة [الإسلامية] المستحيلة". 

وحاصل هاتين الفكرتين هو (الفكرة الثالثة)، أولاً، الدعوة إلى إعادة النظر في مفهوم القيم في الدولة الحديثة، لتخرج من استلابها لذات المواطن الحداثي الذي انتزعت منه ذاتيته الوجودية، وأعدمت قيمته الإنسانيّةلحساب السلطة والدولة، وثانيًا الدعوة إلى إعادة الاعتبار بشكل إبداعيّ جديد لقيم الشريعة الإسلاميّة كنموذج قيمي يفوق ما وصلت إليه الدولة الحديثة. وبناء عليه، وعوض الدولة الإسلامية، يستعمل الكاتب مفاهيم كالحكومة الإسلامية [Islamic governance] (ص.13)، والخلق الإسلامي [ethic Islamic] (ص 49)، والخلق القرآني Quranic ethic] (ص 88)، وخلق الشريعة [Sharia ethic] (ص10 ) للتدليل على أن الشريعة ميزت التاريخ الإسلامي بأخلاقها التي تعطي أولوية للفرد والجماعة كقيم عليا، على عكس ما تفعل الدولة الحديثة ومؤسساتها بالفرد. ويخلص الكاتب إلى أنّ مفهوم الدولة الحديثة مناقض تمامًا لأخلاقيات الإسلام. إنّهما منهجان مختلفان في جوهرهما (ص 75). "إنّ أيّ تصور لدولة إسلامية حديثة هو في جوهره مناقض لذاته" (ص 9-11). "إنّهما [أي مفهوم الدولة الإسلامية والدولة الحديثة] نموذجان على طرفي نقيض" (ص 75-110).
ونعطي أمثلة على كل واحدة من الأفكار الثلاثة السابقة لمزيد من التوضيح:
أولاً: يقدم حلاق نقدًا قاسيًا للحداثة الغربية ولمفهوم الدولة الحديثة مستدلاً في طرحه -إمّا اختلافًا أو اتفاقًا- بكبار فلاسفة الغرب في العصر الحديث، على اختلاف مرجعياتهم ومذاهبهم الفلسفية والدينية، أمثال إمانويلكانط، وفريدريك هيجل، وفريديريك نيتشه، وماكس فيبر، وكارل شميت، وثيودور أدورنو، وميشال فوكو، وجون رولز، وبيير بورديو، وتشارلز لارمور، وجون كراي، ومايكل وولتزر، وتشارلز تايلر. يلخّص الكاتب نقده للحداثة وتمظهرها في مفهوم الدولة الحديثة في أنّها غيّرت سلطة الإله كما كانت رائجة في العصر ما قبل الحداثي إلى سلطة الدولة والمؤسسات، لدرجة أنّها أصبحت إلهًا بدورها، "إنّ الدولة أصبحت إله الآلهة...لا إله إلاّ الدولة". (ص 30)
ومن الممكن أن نوجز نقد حلاق للدولة في خمس نقاط كما يحدّدها هو؛ أوّلاً: الدولة الحديثة نتاج تاريخي في ثقافة معيّنة هي ثقافةأوروبا وأمريكا الشمالية، ومنبتها والنهضة الأوروبية وعصر الأنوار والثورة الصناعية والعقلانية. وللحضارة الإسلاميّة مساهمة في ذلكالتنوير الأوّليّ (ص 24). "إنّ تاريخ الدولة هو الدولة ذاتها" (ص 25). ثانيًا: إنّ الدولة الحديثة تصنع سيادتها بناء على االميتافيزيقا التي تكون من خلالها مجموعة مجردة تسمى "الأمة"، وهي التي يتوجّب على كلّ فرد ينتمي إليها طاعتها كما لو كانت إلهًا (ص 25-29). ثالثًا: تبني الدولة كيانها على أساس التشريع الذي تصوغه الأغلبية الغنية في معظم الأحوال، والقانون الذي به يطوّع الفرد والجماعة، والعنف الذي تمارسه لإنجاح هذه السيادة، وليس العنف هنا جسديًا، بل أكثره نفسي داخلي تمارسه عبر ميتافيزيقاها الخاصّة (ص 29-30). رابعًا: تبعًا لذلك، يصبح الفرد ﺂلة في دواليب البيروقراطية الإدارية التي تزيد في فصل الفرد عن جماعته الأوّليّة، لتصنع منه مواطنًا لا يفكّر إلاّ في الدولة الإله (ص 30-32). خامسًا: ينتج مما سبق هيمنة الدولة ثقافيًا عبر تسييس الثقافة، لتوحيد الدولة الوطنية، وبذلك يندثر التعدد الثقافي الذي لا يخدم ميتافيزيقا الدولة الواحدة وسلطتها (ص 33-35). ولأنّ الدولة الحديثة تخدم نفسها وحسب، فإنّ الكاتب، مثلاً، لا يرى أيّ فصل كبير بين السلطات الثلاث، ويعطي نموذج الولايات المتحدة للتدليل على ذلك؛ فالبيروقراطية التي تشتغل بها السلطة التشريعية وغلاء مصاريف المحاماة لا تخدم الفرد المتوسط الدخل والفقير هناك. كما أنّ عمق البيروقراطية أصبح صعب المراقبة (ص 41-42). وما أحدثته الدولة الحديثة بهذه المميّزات هو أنّها فرّقت بين ما هوكائن وما يجب أن يكون [Is/Ought] فصارما تنتجه وما تستهلكه لا يولي لقيمة القيمة قيمتها، لأن الإنسان في نموذجها أصبح آلة، لا قيمة في حد ذاته. ولا يستغرب حلاق من كون الحداثة لم تنجح كمشروع عالمي يسوق نفسه كقيمة ودليل،وذلك لأنّها قد تمنعالتعدد والاستقلالية وكل تفكير يضعف سلطتها.ولم تنشر الدولة الأوروبية الحديثة لا العدل ولا المساواة ولا التقدم، بل كرست مزيدًا من العنف والفقر والاستعمار. (ص4 )
ثانيًا:بناء على الفكرة الأولى أعلاه، يرى الكاتب أنّه إذا اختار المسلمون نموذج الدولة الحديثة كما تعرفها أوروبا، فإنهم يختارون نموذجًا أقلّ تقدّمًا ونجاحًا من الذي عاشوه لمدة اثني عشر قرنًا (ص 72). إن إسقاط مفهوم الدولة الحديثة على التاريخ الإسلامي هي محاولة لجمع متناقضين (ص 75).





No comments:

Post a Comment